سبقت الإشارة إلى أن المشرع أعفى الأطراف في الدعوى الشغلية من واجب توجيه الاستدعاء وحمّل كتابة دائرة الشغل هذه المسؤولية، وتبعا لذلك فإن طريقة تبليغ الاستدعاء تختلف حسب اختلاف طريقة تقديم عريضة الدعوى.

فإذا قدّم المدعي عريضة الدعوى مباشرة إلى كتابة دائرة الشغل فإن كاتب الدائرة يكون مطالبا بتضمين القضية وتسليم المدعى في الحين استدعاء يتضمن التنصيص على عدد القضية وتاريخ الجلسة. أما إذا أرسل المدعي عريضة الدعوى بواسطة رسالة مضمونة الوصول فإن كاتب دائرة الشغل يتولى فور تلقيه الرسالة تضمين القضية وتوجيه استدعاء بواسطة رسالة مضمونة الوصول إلى المدعي أو نائبه المذكور بالعريضة يتضمن ذكر عدد القضية وتاريخ الجلسة فإذا لم يحضر المدعي ولا نائبه بموعد الجلسة يكون كاتب دائرة الشغل مطالبا بتوجيه استدعاء ثان بنفس الطريقة.

وسواء تم تقديم عريضة الدعوى إلى كتابة دائرة الشغل أو توجيهها بواسطة رسالة مضمونة الوصول فإن كاتب دائرة الشغل ملزم قانونا بتوجيه استدعاء بواسطة رسالة مضمونة الوصول مع الإعلام بالبلوغ إلى المطلوب ويجب أن ينص المكتوب على اليوم والشهر والسنة وعلى إسم المدعي وحرفته ومقره وبيان موضوع الدعوى ويوم الحضور وساعته.

وقد اشترط المشرع أن يكون تبليغ الاستدعاء إلى المطلوب قبل ثمانية أيام من موعد الجلسة حتّّى يمكّنه من أجل متسع لإعداد مؤيداته وترتيب إجراءاته استعدادا للحضور بالجلسة وفي صورة عدم احترام أجل الحضور فأن الاستدعاء يكون باطلا بما يتعذر معه مواصلة النظر في الدعوى غير أنّه بمجرد حضور المطلوب يقع تجاوز البطلان ويتم النظر في الدعوى ويفقد المطلوب حقه في التمسك ببطلان الاستدعاء لعدم احترام أجل الحضور.

غير أنّ الصعوبة تثار بخصوص كيفية احتساب أجل الحضور وبعبارة أخرى هل يحتسب أجل الثمانية أيام بداية من تاريخ إشعار المطلوب عن طريق البريد بوجود الرسالة مضمونة الوصول أم يحتسب بداية من تاريخ تسلّم المطلوب للرسالة خاصة أنه يمكن أن يوجد فاصل زمني ممتد بين تاريخ الإشعار وتاريخ تسلّم الرسالة ؟

إنّ الغاية من إقرار أجل الحضور هي تمكين المطلوب من حيّز زمني يتولى خلاله إعداد الوثائق الضروريّة وترتيب إلتزاماته بما يخوّله الحضور لدى دائرة الشغل في ظروف طيبة، وتبعا لذلك فإذا تراخى المطلوب أو تقاعس في الإتصال بمركز البريد قصد تسلّم الرسالة فإنه لا يجوز أن يستفيد من خطئه وبالتالي فإنه يكون من الأجدى اعتماد تاريخ حصول الإشعار بوجود الرسالة لاحتساب أجل الثمانية أيام.

وقد خول الفصل 202 قديم من م.ش. لرئيس دائرة الشغل الإذن من تلقاء نفسه أو بطلب من المدعي باستدعاء المطلوب بواسطة عدل تنفيذ وذلك في صورة عدم بلوغ الاستدعاء شخصيا للمطلوب أو رجوع جذر الاستدعاء متضمنا تعذر التبليغ لنقص بالعنوان أو لمغادرة المطلوب للعنوان المذكور بالاستدعاء. غير أنه وضمانا لحضور الأطراف وتجنّب إصدار أحكام في غياب المدعى عليه فقد عدّل المشرع بموجب القانون عدد 18 لسنة 2006 أحكام الفقرة الخامسة من الفصل 202 من م.ش وألزم رئيس دائرة الشغل بالإذن بإستدعاء المدعى عليه بواسطة عدل تنفيذ كلما تبيّن أن الإستدعاء بالطريقة الإدارية لم يبلغ المدعى عليه بصفة شخصية وتبعا لذلك فإذا تخلّف المدعى عليه عن الحضور بالجلسة وتبيّن من علامة البلوغ أن الإستدعاء لم يبلغه شخصيا فعلى رئيس دائرة الشغل الإذن للمدعي بإستدعائه بواسطة عدل تنفيذ ضمانا لتطابق العلم القانوني مع العلم الفعلي.

 كما يمكن لرئيس دائرة الشغل أن يأذن باستدعاء المطلوب للحضور بموعد الجلسة دون تقيد بأجل الحضور (وقدره ثمانية أيام) بل بإمكانه أن يأذن باستدعاء المطلوب للحضور من ساعة إلى أخرى في صورة التأكد، ويعتبر من حالات التأكد المطالبة بالأجر غير الخالص.

وتماشيا مع مقصد المشرع في تبسيط إجراءات التقاضي وتجنّب إرهاق المتقاضين وتحميلهم مصاريف إضافيّة، أجازت دوائر الشغل لمجموعة من العملة استدعاء مؤجرهم المدعى عليه للحضور بالجلسة بموجب رقيم استدعاء واحد، على أن يتضمن رقيم الاستدعاء ذكر هوية كل عامل وصفته في الدعوى وأرقام القضايا وتاريخ وساعة الحضور.

وهذا الاستدعاء الجماعي لا يؤثر على الطبيعة الفرديّة للنزاع ولا يكسيه صفة النزاع الجماعي باعتبار أن كل مدع تولى نشر قضية منفردة تتضمن طلباته الخاصة وأسانيده ودعوة المؤجر للجواب عن كل دعوى بصفة منفردة. وقد سبق أن أقرت محكمة التعقيب صحة الاستدعاء الجماعي الموجه إلى المؤجر إذ صرّحت: "وحيث لا وجود لأي مانع من توجيه الاستدعاء للمؤجرة من طرف مجموعة من العملة طالما تضمّن الاستدعاء البيانات الواجب تضمينها به طبق أحكام الفصل 202 من م.ش".

وإذا ما تم تبليغ الإستدعاء إلى الطرفين طبق ما سبق بيانه فإن الصعوبة تثار حول وجوبية الحضور بالجلسة من عدمه، فالمدعي ملزم بالحضور بموعد الجلسة الصلحية سواء بصفة شخصية أو بواسطة نائبه وفي صورة تخلّفه عن الحضور رغم تسلمه الإستدعاء شخصيا أو بواسطة نائبه فإن المحكمة تصدر حكما بطرح القضية، وكذلك الشأن بالنسبة للمدعي الّذي بلغه الاستدعاء بواسطة رسالة مضمونة الوصول مع الإعلام بالبلوغ للمرّة الثانية فإنه يترتب على عدم حضوره بالجلسة الصلحية صدور حكم بطرح القضية.

وعند صدور حكم بطرح القضية فإنه لا يمكن للمدعي إعادة نشر القضية إلا بعد مضي ثمانية أيام من تاريخ صدور الحكم بالطرح..

والملاحظ أن المشرع خوّل المطلوب عند عدم حضور المدعي رغم بلوغه الاستدعاء طلب النظر في أصل الدعوى وفي هذه الحالة ينظر رئيس دائرة الشغل في الدعوى طبق أوراقها ودون توقف على حضور المدعي (الفصل 205 فقرة 2 من م.ش.).

أما في خصوص المدعى عليه فإن عدم حضوره بالجلسة الصلحية رغم بلوغه الاستدعاء بصفة شخصية لا يوقف النظر في القضية وتواصل دائرة الشغل النظر في الدعوى طبق أوراقها دون توقف على حضوره أو حضور نائبه.

فقد اقتضى الفصل 206 من م.ش أنّه: "إذا وقع التنبيه على المدعى عليه بصفة قانونية ولم يحضر هو بنفسه أو من له صفة النيابة عنه فإن الدائرة لا تتوقف عن النظر في القضية". 

غير أن فقه قضاء محكمة التعقيب لم يكتف بإقرار مبدأ مواصلة النّظر في الدعوى عند تخلّف المدعى عليه عن الحضور بالجلسة رغم بلوغه الاستدعاء بل رتّب على عدم حضور المدعى عليه إقرارا حكميا بصحة الدعوى مأخوذا من سكوته عن الدعوى وعدم حضوره بالمحاولة الصلحية والإجابة عن الدعوى أو طلب الإمهال.